سورة الصافات - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)}
{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} جواب للقسم وقد جرت عادتهم على تأكيد ما يهتم به بتقديم القسم ولذا قدم هاهنا فلا يقال: إنه كلام مع منكر مكذب فلا فائدة في القسم، وما قيل من أن وحدة الصانع قد ثبتت بالدليل النقلي بعد ثبوتها بالعقل ففائدته ظاهرة هنا غير تام لأن الكلام مع من لا يعترف بالتوحيد، وقد أشير إلى البرهان في قوله سبحانه:


{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)}
{رَبّ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} فإن وجودها على هذا النمط البديع أوضح دليل على وحدته عز وجل بل في كل ذرة من ذرات العالم دليل على ذلك.
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
ورب خبر ثان لأن على مذهب من يجوز تعدد الأخبار أو خبر مبتدأ محذوف أو هو رب السموات الخ.
وجوز أبو البقاء. وغيره كونه بدلًا من {واحد} فهو المقصود بالنسبة أي خالق السموات والأرض وما بينهما من الموجودات ويدخل في عموم الموصول أفعال العباد فتدل الآية على أنها مخلوقة له تعالى ولا ينافي ذلك كون قدرة العبد مؤثرة بإذنه عز وجل كما ذهب إليه معظم السلف حتى الأشعري نفسه في آخر الأمر على ما صرح به بعض الأجلة، وفسر بعضهم الرب هنا بالمالك وبالمربي، ولعل الأول أظهر. وفي دلالة الآية على كون أفعال العباد مخلوقة له على ذلك بحث، والمرادب المشارق عند جمع مشارق الشمس لأنها المعروفة الشائعة فيما بينهم وهي بعدد أيام السنة فإنها في كل يوم تشرق من مشرق وتغرب في مغرب فالمغارب متعددة تعدد المشارق، وكأن الاكتفاء بها لاستلزامها ذلك مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة، ولهذا استدل به إبراهيم عليه السلام عند محاجة النمروذ، وعن ابن عطية أن مشارق الشمس مائة وثمانون، ووفق بعضهم بين هذا وما يقتضيه ما تقدم من مضاعفة العدد بأن مشارقها من رأس السرطان وهو أول بروج الصيف إلى رأس الجدي وهو أول بروج الشتاء متحدة معها من رأس الجدي إلى رأس السرطان وهو أول بروج الصيف إلى رأس الجدي وهو أول بروج الشتاء متحدة معها من رأس الجدي إلى رأس السرطان فإن اعتبر ما كانت عليه وما عادت إليه واحدًا كانت مائة وثمانين وإن نظر إلى تغايرهما كانت ثلثمائة وستين، وفي هذا إسقاط الكسر فإن السنة الشمسية تزيد على ذلك العدد بنحو ستة أيام على ما بين في موقعه، وفسرت المشارق أيضًا شارق الكواكب، ورجح بأنه المناسب لقوله تعالى بعد {إِنَّا زَيَّنَّا} [الصافات: 6] الخ، وهي للسيارات منها متفاوتة في العدد، وأكثرها مشارق على ما هو المعروف عند المتقدمين زحل ومشارقه إلى أن يتم دورته أكثر من مشارق الشمس إلى أن تتم دورتها بألوف، ومشارق الثوابت إلى أن تتم الدورة أكثر وأكثر فلا تغفل وتبصر، وتثنية المشرق والمغرب في قوله تعالى: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} [الرحمن: 17] على إرادة مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغربيهما، وإعادة {رَبّ} هنا مع المشارق لغاية ظهور آثار الربوبية فيها وتجددها كل يوم.


{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)}
{إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا} أي أقرب السموات من أهل الأرض فالدنيا هنا مؤنث أدنى عنى أقرب أفعل تفضيل {بِزِينَةٍ} عجبية بديعة {الكواكب} بالجر بدل من {زِينَةُ} بدل كل على أن المراد بها الاسم أي ما يزان به لا المصدر فإن الكواكب بأنفسها وأوضاع بعضها من بعض زينة وأي زينة:
فكأن أجرام النجوم لوامعا *** درر نثرن على بساط أزرق
وجوز أن تكون عطف بيان. وقرأ الأكثرون {بِزِينَةٍ الكواكب} بالإضافة على أنها بيانية لما أن الزينة مبهمة صادقة على كل ما يزان به فتقع الكواكب بيانًا لها، ويجوز أن تكون لامية على أن الزينة للكواكب أضواؤها أو أوضاعها، وتفسيرها بالأضواء منقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وجوز أن تكون الزينة مصدرًا كالنسبة وإضافتها من إضافة المصدر إلى مفعوله أي زينا السماء الدنيا بتزييننا الكواكب فيها أو من إضافة المصدر إلى فاعله أي زيناها بأن زينتها الكواكب، وقرأ ابن وثاب. ومسروق. بخلاف عنهما. والأعمش. وطلحة. وأبو بكر {بِزِينَةٍ} منونًا {الكواكب} نصبًا فاحتمل أن يكون زينة مصدرًا والكواكب مفعول به كقوله تعالى: {أَوْ طَعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} [البلد: 14، 15] وليس هذا من المصدر المحدود كالضربة حتى يقال لا يصح إعماله كما نص عليه ابن مالك لأنه وضع مع التاء كالكتابة والإصابة وليس كل تاء في المصدر للوحدة، وأيضًا ليست هذه الصيغة صيغة الوحدة، واحتمل أن يكون {الكواكب} بدلًا من {السماء} بدل اشتمال واشتراط الضمير معه للمبدل منه إذا لم يظهر اتصال أحدهما بالآخر كما قرروه في قوله تعالى: {قُتِلَ أصحاب الاخدود النار} [البروج: 4، 5].
وقيل: اللام بدل منه، وجوز كونه بدلًا من محل الجار والمجرور أو المجرور وحده على القولين، وكونه منصوبًا بتقدير أعني. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {بِزِينَةٍ} منونًا {الكواكب} رفعًا على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي الكواكب أو فاعل المصدر ورفعه الفاعل قد أجازه البصريون على قلة، وزعم الفراء أنه ليس سموع. وظاهر الآية أن الكواكب في السماء الدنيا ولا مانع من ذلك وإن اختلفت حركاتها وتفاوتت سرعة وبطأ لجواز أن تكون في أفلاكها وأفلاكها في السماء الدنيا وهي ساكنة ولها من الثخن ما يمكن معه نضد تلك الأفلاك المتحركة بالحركات المتفاوتة وارتفاع بعضها فوق بعض. وحكى النسيابوري في تفسير سورة التكوير عن الكلبي أن الكواكب في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور وتلك السلاسل بأيدي الملائكة عليهم السلام، وهو مما يكذبه الظاهر ولا أراه إلا حديث خرافة. وأما ما ذهب إليه جل الفلاسفة من أن القمر وحده في السماء الدنيا وعطارد في السماء الثانية والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة والثوابت في فلك فوق السابعة هو الكرسي بلسان الشرع فمما لا يقوم عليه برهان يفيد اليقين، وعلى فرض صحته لا يقدح في الآية لأنه يكفي لصحة كون السماء الدنيا مزينة بالكواكب كونها كذلك في رأي العين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8